الإبداع في عالم الشبكات

عندما بدأت التفكير بطريقة حياكة المقال خطر على بالي أولاً تحديد معنى الإبداع باللّغة العربية حتى يكون القارئ على دراية كاملة بما نتحدث عنه، بحثت قليلاً ووجدت تعريفاً جميلاً أنقله حرفياً: ” الإبداع هو هبة من الله، وليس للإنسان دخل فيه وهو غير مكتسب مع كثرة التدريب ..وهو أن تأتي بشيء غير مألوف و تصيغه بصياغة جميلة..  وهو النظر للمألوف بطريقة أو من زاوية غير مألوفة ثم تطوير هذا النظر ليتحول إلى فكرة ثم تقييم ثم إبداع قابل للتطبيق, وأن ترى بخيالك ما لا يراه الآخرون وأن تنظم هذه الأفكار وتظهرها في بناءً جديداً انطلاقاً من عناصر موجودة..

عندما طرحت هذا السؤال على صفحتي على الفيس بوك علق الأكثرية على أن عالم الشبكات هو عالم محدود فهو غالباً ما يكون تطبيق لسيناريوهات موجودة وهو كذلك فعلاً بعكس عالم البرمجة الذي تبدأ فيه البرمجة من الصفر وتبني التطبيق الخاص بك وتقدم شيئاً جديداً في هذا المجال، لكن لقائي وعملي مع أحد المبرمجين لفترة محدودة غيّر من وجهة نظري هذه فحتى في البرمجة هناك نقل ونسخ لأكواد جاهزة، فالمبرمج لايبتدع شيئاً جديداً غير موجود، بل يقدم لك شيء باستخدام أكواد من هنا وهناك ينسخها ويلصقها في كود البرنامج. ونفس الشيء لاحظته من مطوري المواقع، الإبداع لديهم يتمثل أحياناً في إيجاد الكود والتعديل عليه بشكل طفيف بحيث يؤدي المهمة التي يريدها المبرمج.

تجريم البرمجة والبرمجة ليس لأهداف وغايات سلبية بقدر ماهو توصيف دقيق لما لديهم ومالدينا كمهندسي شبكات، فالإبداع الآن كما عرفته في البداية يركز على مفهوم أساسي وهو إعادة صياغة أمر بطريقة غير مألوفة. والبرمجة تمنح هذا الامر أكثر من الشبكات، فالشبكات لا تمنح هذه الميزة لأن مهندس الشبكات تعوّد دائماً على كتابة الأوامر الجاهزة وتفعيل الخاصيات الموجودة وانتهى الأمر. إذن أين الإبداع في عالم الشبكات؟

بالنسبة لي بدأت أشعر بالأبداع في عالم الشبكات بعد مشكلة طويلة واجهتني مع عدة شركات وهو بطئ خطوط التي تربط الفروع ببعضها البعض من خلال الـ VPN، فالحلول المتاحة التي كانت متوفرة هو الاستعانة بأجهزة الـ Wan Optimization والتي كان سعرها مرتفع جداً أو رفع سرعة خطوط الانترنت في كل الفروع وهذا أيضاً كان مكلّف إلى أن توصلت إلى فكرة لا أريد أن أقول عنها عبقرية حتى لا أدخل في حوارات طويلة لكن كانت مبتكرة جداً اعتمدت فيها على ثلاث تقنيات مختلفة حققت لي الهدف المنشود وبتكلفة منعدمة تماماً استطعت من خلالها جعل الزبون يبتسم لي. من بعد هذه التجربة بدأت صورة الإبداع في عالم الشبكات بالوضوح أكثر، وبدأت أراها في إيجاد الحلول الأقل تكلفة والأكثر فعالية، ففي السابق كانت الأمور أكثر ضيقاً بالنسبة لمهندسي الشبكات أما الآن فالأمور أصبحت أفضل وخصوصاً بعد دخول تقنية الـ Virtualization مجال تقنية المعلومات، فالآن لو فكرت قليلاً بهذه التقنية فسوف تكتشف أن جهاز كمبيوتر واحد يمكن له أن يعمل كشبكة كاملة متكاملة فيها سيرفرات وراوترات وفايروول وأجهزة IPS, IDS وبتكلفة منخفضة جداً بحيث توفر على الشركة آلآف الدولارات، أو حاول أن تفكر في طريقة تدمج فيها نظام تشغيل لينوكس (خفيف) مع برنامج الـ Dynamips وتعمل توليفة لمحاكاة راوتر واحد داخل كل نظام بحيث نحصل على راوتر داخل كل نظام واعتماداً على الـ Virtualization نقوم بتفعيله مع عدد معين من كروت الشبكة.

لنختم الآن مع شيء أكبر من كل الحلول والأفكار التي يمكن أن تنفذها لكي تعطي أفكار جديدة في عالم الشبكات أو البرمجة أو اي مجال آخر والتي تدفعك إلى الابداع ألا وهو التفكير العميق، تعلم التفكير قبل كل شيء وكن صاحب فكر خاص بشخصيتك، استمع للجميع لكن لا تتعلم فكرهم، بل تعلم منهم الطريقة التي يتبعوها في الوصول إلى ذلك العمق، وثق بأن اللحظة التي تُكون فيها العمق الفكري الخاص بك سوف تكون قادر فيها على الإبداع، فلحظة صفاء واحدة تعطيك الكثير من الحلول والأفكار التي تجعلك مميز عن الآخرين. لكن طالما عقلك يفكر في خط مستقيم فأنت سوف تبقى مجرد مهندس شبكات أفضل ما يجيده هو أن يتعلم كيف يشغل الراوتر على مبدأ واحد زائد واحد يساوي إثنين. كل شيء يبدأ بخطوة، وأولى خطوات الإبداع هو في أن نعلم أو نتعلم كيف نجعل لمبة الإبداع تضيء في كل لحظة نحتاجها، لا تجلس الآن وتقول سوف ابدأ التفكير بعمق فأنت لن تنجح بذلك مباشرة. تعلم الإنصاف في كل القضايا، إقرأ كثيراً، استمع كثيراً، إياك أن تخدع نفسك. وثق وتوكل على الله دائما، أعطي من العلم أكثر مما تأخذ فأنا والحمد لله منذ ذلك اليوم وأنا أشعر بأن شخصيتي تتغير يوما بعد يوم وكلما أكثرت العطاء وهبني الله المزيد من المزايا وتذكر بأن إنسانيتك هي أكبر إبداع وضعه الخالق في الكون لذلك خذها مني كن أنسانا تكن مبدعاً ودمتم بود.